مصادر الرواية:
لقد وردت هذه الرواية في مصادر أهل السنة الروائية بتعابير مختلفة، منها: «إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الْخَلِيفَتَيْنِ كَامِلَتَيْنِ»؛ «إني قد تَرَكْتُ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ» ؛ «إنّي تَارِكٌ فِيكُمْ
الخَلِيفَتَيْنِ» ؛ «إنّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ».
وبما أنّ السند في جميع هذه الروايات، مشترك نحواً ما، نكتفي هنا بما ذكره ابن أبي شيبة في كتابه الذي يعتبر أقدم الكتب. قال:
حَدَّثًنا أَبُو دَاوُدَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الرُّكَيْنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، يَرْفَعُهُ، قَالَ: «إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الْخَلِيفَتَيْنِ
كَامِلَتَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّي يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» [1]
إمعان النظر في سند الرواية
عُمَرُ بْنُ سَعْد:
انه من رواة مسلم و سائر الصحاح الستة لأهل السنة:
عمر بن سعد بن عبيد أبو داود الحفري بفتح المهملة والفاء نسبة إلى موضع بالكوفة ثقة عابد من التاسعة مات سنة ثلاث ومائتين. /م 4 [2]
شريك بن عبد الله:
انه من رواة البخاري ومسلم وسائر الصحاح الستة لأهل السنة:
شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي بواسط ثم الكوفة أبو عبد الله صدوق يخطىء كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة وكان عادلا فاضلا عابدا شديدا على أهل البدع من الثامنة مات سنة سبع أو ثمان وسبعين.
/خت م 4 [3]
ركين بن الربيع الفزاري:
انه من رواة مسلم و سائر الصحاح الستة لأهل السنة:
ركين بالتصغير بن الربيع بن عميلة بفتح المهملة الفزاري أبو الربيع الكوفي ثقة من الرابعة مات سنة إحدى وثلاثين. /بخ م 4 [4]
القاسم بن حسان:
القاسم بن حسان العامري الكوفي مقبول من الثالثة. /د س [5]
زيد بن ثابت:
صحابي رسول الله (ص).
تصحيح سند الرواية
لقد اعتبرها ناصرالدین الباني الذي اشتهر ببخاري العصر «صحيحة»:
2457. إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء و الأرض و عترتي أهل بيتي و إنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض
( حم طب ) عن زيد بن ثابت .
( صحيح ) [6]
وكذلك علي بن أبي بكر، فقد صحّح سند هذه الرواية في موضعين من كتابه:
رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. [7]
رواه أحمد وإسناده جيد [8]
تحديث للسؤال برقم 1
الأمور المستنتجة من هذه الرواية:
ان لهذه الرواية نتائج رائعة يجدر التأمّل فيها، منها:
1. لقد استخلف النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) القرآن و أهل بيته معاً علی المسلمين، فأصبحا سويّاً خليفة لخاتم الرسل (صلی الله علیه وآله وسلم)؛ فعدم الإنقياد إلی أحدهما وترك التمسك بأحدهما يعتبر
إنكاراً لقول رسول الله وينتهی إلی الضلال المؤبّد.
قال الله سبحانه و تعالی: «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلالاً مُبيناً.» [9]
وبهذا يتّضح موقف الذين استبدلوا طاعة أهل البيت (عليهم السلام) بطاعة غيرهم؛
2. يجب علينا أن نطيع أهل البيت (عليهم السلام) إطاعة مطلقة، كما يجب علينا إطاعة القرآن كذلك. فليس لأحد أن يدعي الإكتفاء بإطاعة القرآن عن إطاعة أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّه يكون قد أنكر بذلك قول
رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)؛
3. ان هذين الأمرين لا يتفرّقا حتي يوم القيامة: (وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ).
و هذا إن دلّ علی شيء فإنّما يدلّ علی عصمة أهل البيت (عليهم السلام) المطلقة؛ فلو افترض أن أهل البيت (عليهم السلام) غير معصومين، فيكونوا قد ابتعدوا عن القرآن المجيد بأوّل ما يصدر عنهم من المعصية وهذا
يخالف نصّ قول رسول الله (صلّی الله عليه وآله وسلم)؛ فكما أنّ القرآن مصان عن الخطأ ولا يأتيه الباطل أبداً، فكذلك أهل البيت (عليهم السلام) فهم معصومون عن الخطأ مطلقاً.
قال الله سبحانه و تعالی: «لا يَأْتيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميد.» [10]
4. یدلّ الحثّ علی عدم إفتراقهما حتی الورود علی رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) عند الحوض الكوثر علی بقاء القرآن وخلوده إلی يوم القيامة من جهة و علی وجود أحد من أهل البيت (عليهم السلام) إلی جانب
القرآن من جهة ثانية. ولقد استدلّ الشيعة بهذا الأمر علی وجود الإمام الحجة (عجّل الله تعالی فرجه الشريف) الحاليّ حياً يرزق بيننا.
يقول العلامة المناوي من كبار علماء أهل السنة في كتابه:
قال ( الشريف ): هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به كما أن الكتاب كذلك فلذلك كانوا أمانا لأهل الأرض
فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض ) حم طب عن زيد بن ثابت ( قال الهيثمي: رجاله موثقون ورواه أيضا أبو يعلى بسند لا بأس به والحافظ عبد العزيز بن الأخضر. [11]
5. كما أن الله سبحانه و تعالی جعل القرآن «تِبْياناً لِكُلِّ شَيْء» (النحل/ 89)، فلابدّ أن يكون أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً كذلك؛ فالذي يكون مع القرآن دائماً أبداً، يكون خبيراً بكافة الحقائق
القرآنية، فيكون كالقرآن «تِبْياناً لِكُلِّ شَيْء»، حتي يتحقق معنی «عدم الإفتراق» بين القرآن وأهل البيت (عليهم السلام).
إذن يكون القرآن وأهل البيت (عليهم السلام) بناءً علی هذه الرواية، متساويان ومتساوقان في كلّ شيء؛ فيجب علی أتباع القرآن أن يتّبعوا أهل البيت (عليهم السلام) وأن يتوقّفوا عن الرجوع إلی غيرهم.
6. لا يمكن أن ندخل زوجات النبي(صلی الله عليه وآله وسلم) في المراد من «أهل البيت»؛ حيث أن الصفات المذكورة في الحديث لا تطابق عليهنّ، فقد قال الرسول في هذه الرواية: «وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا
حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ». وممّا لا ريب فيه أنّ زوجاته قد ارتحلن جميعاً عن الدنيا ولم تبق منهنّ حتی واحدة كي تصاحب القرآن إلی يوم القيامة.
بالإضافة إلی ذلك، يمنعنا سلوك بعض زوجات النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وتصرّفاتهنّ أن نجعلهنّ من مصاديق هذه الرواية، كما أن عائشة مثلاً خرجت علی خليفة رسول الله في حرب جمل ممّا أدی إلی قتل أكثر من
عشرين ألف رجل في حين أن الله سبحانه و تعالی يقول:
«وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظيما.» النساء/93
فهل يمكن لنا أن نجمع بين عائشة في حرب الجمل والقرآن؟
ولقد صرّح العلامة الآلوسي أن زوجات النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) غير داخلات في المراد من «أهل البيت» في حديث الثقلين:
وأنت تعلم أن ظاهر ما صح من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : إني تارك فيكم خليفتين وفي رواية ثقلين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض يقتضي أن
النساء المطهرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين لأن عترة الرجل كما في الصحاح نسله ورهطه الأدنون... [12]
تحديث للسؤال برقم 2
الهوامش:
1. إبن أبي شيبة الكوفي، أبوبكر عبد الله بن محمد (المتوفی 235 هـ)، مسند ابن أبي شيبة ، ج 1، ص108، ح135، الالتحقيق : عادل بن يوسف العزازي و أحمد بن فريد المزيدي ، الالناشر : دار الوطن - الرياض ، الطبعة
: الأولى ، 1997م؛
إبن أبي شيبة الكوفي، أبوبكر عبد الله بن محمد (المتوفی 235 هـ)، الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، ج 6، ص309، ح31679، الالتحقيق: كمال يوسف الحوت، الالناشر: مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة: الأولى،
1409هـ؛
الطبراني، أوالقاسم سليمان بن أحمد بن أيوب (المتوفی 360هـ)، المعجم الكبير، ج 5، ص153، ح4921 ؛ ج 5، ص154، ح4922 ، التحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، الناشر: مكتبة الزهراء - الموصل، الطبعة:
الثانية، 1404هـ – 1983م؛
الشيباني، أبوعبد الله أحمد بن حنبل (متوفاى241هـ)، فضائل الصحابة، ج 2، ص603، ح1032؛ ج 2، ص786، ح1403، التحقيق د. وصي الله محمد عباس، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1403هـ –
1983م؛
الشيباني، أبوعبد الله أحمد بن حنبل (متوفاى241هـ)، مسند أحمد بن حنبل، ج 5، ص181، ح21618؛ ج 5، ص189، ح21697، الناشر: مؤسسة قرطبة – مصر؛
القرطبي ، بقي بن مخلد (متوفاى276هـ) ، ما روي الحوض والكوثر (الذيل على جزء بقي بن مخلد)، ج 1، ص137، التحقيق : عبد القادر محمد عطا صوفي ، الناشر : مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة ، الطبعة :
الأولى ، 1413هـ؛
الشيباني، عمرو بن أبي عاصم الضحاك (متوفاى287هـ)، السنة، ج 2، ص351؛ ج 2، ص643 ، ح1548 ـ 1549، التحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1400هـ؛
الثعلبي النيسابوري، ابوإسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم (متوفاى427هـ)، الكشف والبيان، ج 3، ص163، التحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي، الناشر: دار إحياء التراث العربي -
بيروت، الطبعة: الأولى، 1422هـ-2002م؛
الأنصاري الشافعي، سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد المعروف بابن الملقن(متوفاى804هـ)، تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج ، ج 1، ص64، التحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، الناشر : المكتب الإسلامي
- بيروت ، الطبعة : الأولى ، 1994م؛ و ...
2. العسقلاني الشافعي، أحمد بن علي بن حجر ابوالفضل (متوفاى852هـ)، تقريب التهذيب، ج1 ، ص413، رقم: 4904، تحقيق: محمد عوامة، ناشر: دار الرشيد - سوريا، الطبعة: الأولى، 14