إنه الثالث و العشرون من يناير 1199م. أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي سُلطان المغرب و الأندلس يحتضر في مراكش.
و هو على سرير الموت, كان أكبر همه الأندلس و أهلها. صحيح أنه قهر جيوش قشتالة في معركة الأراك سنة 1195م إلا أنه يعلم أنه انتصار مرحلي غير حاسم. فكان يُمني النفس بطول العمر لتحصين مواقعها و تشييد
أسوارها و رد الغازي الكاثوليكي إلى حدوده الطبيعية التي لا يشكل فيها أي خطر على دولة الإسلام بالأندلس.
لكن الرحيل قد أزف, و المهمة لم تكتمل بعد. فيا لها من حسرة و مرارة…و كأني بيعقوب المنصور رحمه الله قد علم أن القشتاليين لن يقفوا إلا عند القضاء على آخر مسلم بشبه الجزيرة الأيبيرية, فقال رحمه الله تلك
الوصية الشهيرة التي ستبقى خالدة في قلوبنا و أذهاننا تذكرنا كل لحظة أن الأندلس أمانة في أعناقنا في أي مكان أو زمان كنا.
يروي المؤرخ ابن عذارى في تاريخه "البيان المغرب" اللحظات الأخيرة للسلطان يعقوب: "…ثم قال رضي الله عنه و عيناه تذرفان دموعا و قال أوصيكم بتقوى الله تعالى و بالأيتام و اليتيمة, فقال له الشيخ أبو محمد
عبد الواحد: يا سيدنا يا أمير المؤمنين و من الأيتام و اليتيمة؟ قال: اليتيمة جزيرة الأندلس و الأيتام سكانها المسلمون, و إياكم و الغفلة فيما يصلح بها من تشييد أسوارها و حماية ثغورها و تربية أجنادها و
توفير رعيتها, و لتعلموا أعزكم الله أنه ليس في نفوسنا أعظم من همها و نحن الآن قد استودعنا الله تعالى و حسن نظركم فيها فانظروا أمن المسلمين و اجروا الشرائع على مناهجها".