أول ما نلاحظه حول هذه الفتوى مخالفتها لمبدا عالمية الاسلام وكونه دين الانسانية جمعاء لقوله تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ (107 الأنبياء ولقوله أيضا وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28 سبأ كما أن من أهداف هذه
الرسالة نبذ العنصرية والقبلية و الطائفية لأنها كما قال الرسول عليه السلام دعوها فانها منتنة كما أن الاسلام جاء مبشرا للتعاون البشري و تحقيق السلام و التعاون بين البشر لقوله تعالى يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات
وبذلك يدشن أسلوبا حضاريا في التمايز بين البشر لا يستند على العرق أو اللون أو الجنس أو المكانة الاجتماعية ليقرر جانبا آخر للتمايز بين الناس وهو التقوى والعمل الصالح وهي عناصر في مقدور الانسان الاتيان
بها ومن ناحية أخرى نلاحظ أنه استقر عند الجميع أن اللغة الأجنبية لا يمكن أن تأتي مفرغة من ثقافة وحضارة وتاريخ أهلها، ففرض لغة أجنبية هو في الحقيقة فرض ثقافة أجنبية سواء بسواء، ومن هنا ظهرت خطورة اللغة
الأجنبية – أيَّاً كانت– حين تفرض على المسلمين بصورة عامة، وعلى العرب بصورة خاصة؛ فلئن جاز لأيَّة لغة أن تنقرض من الوجود الحضاري، فإن هذا لا يجوز بحال على اللغة العربية، التي تحمل الحجة الربانية،
واستُودعت الرسالة الخاتمة، فاندثارها،أو ضعفها إنما هو اندثار أو ضعف في تمام إبلاغ حجة الله تعالى، وهذا لا يصح في حق اللغة العربية، المحفوظة بحفظ الكتاب، الباقي– بأمر الله تعالى– إلى آخر الدهرلقوله
تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9).الحجر.
ومع كل ما تقدم فإنه لابد وأن يبقى للضرورة العصرية حكمها بناء على القاعدة الفقهية: “الضرورات تبيح المحظورات”، والقاعدة أيضاً: “إذا ضاق الأمر اتَّسع”، والقاعدة : “الحاجة تُنزَّل منزلة الضرورة”،
فالضرورة معتبرة في الشريعة الإسلامية إذا وُجدت حقيقتها, فالأمة العربية الإسلامية المعاصرة في مسيرها نحو النهضة في حاجة ملحَّة إلى العلوم التقنية والمعارف الطبيعية، التي تتوافر عادة بغير لغتها، فتحتاج
– وربما قد تضطر– إلى اللغة الأجنبية لتحصيل هذه العلوم والمعارف، والاستفادة منها في مسيرها نحو النهضة العلمية الشاملة، فلا بأس حينئذٍ من أن تنبري فئة من أبناء المسلمين لتعلم لغة أجنبية حية، باعتبارها
ضرورة دينية وعصرية لاسيما للمثقفين، يخدمون من خلالها مجموع الأمة في نقل العلوم التقنية والطبيعية ونحوها ويتم بالتالي التفاعل مع الشعوب الأخرى وعدم عزلنا عن العالم من حولنا الذي يتجه الى مزيد من
التعارف و التعاون ومن ناحية أخرى فاذاكان الغرب يناصبنا العداء من أجل ديننا و قيمنا وحضارتنا فان تعلم لغتهم من شأنه أن يقينا شرورهم كما قال الرسول عليه السلام من تعلم لغة قوم أمن شرهم وبناء عليه فاننا
في التقدمية نعلن أن فتوى ابن العثيمين باطلة شرعا ومنطقا وعقلا ويجب عدم العمل بها والاتجاه نحو مزيد من تعلم اللغات للحاق بركب التقدم وعدم العزلة في هذا العالم .