قد رأينا كيف استدل الفقهاء بالقتل على من عمل عمل قوم لوط بسبب هذا الحديث مع انه لا يصح ، وكيف قاس البعض المسألة على الزنا و شتان بين المسألتين ، و
الحديث هذا الذي اعتمدوا عليه في حد القتل للمثليين لم يروه عن ابن عباس إلا عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس ، وقد أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج 8 ص 232 و في الشعب ج4 ص356 و ابن الجارود في
المنتقى ج1 ص208 و الدارقطني ج3 ص 124 و الدارمي ج4 ص 158 و الترمذي ج4 ص 57 و الحاكم في المستدرك ج 4 ص 395 و أحمد في المسند ج 1 ص 300 و ابن ماجه ج 2 ص 856 و أبو يعلى ج 4 ص 348 و ج 5 ص 128 و عبد بن حميد
ج1 ص 200 و القاضي في علل الترمذي ج 1 ص 236 جميعهم بطرق مختلفة إلى عمرو بن أبي عمرو ، وقد أنكر البخاري عليه هذا الحديث ، وذكر ابن عدي في الكامل قول ابن معين فيه ليس بالقوي و ليس بحجة لا يحتج به و في
حديثه ضعف ،و قال السعدي مضطرب الحديث ، وقاله الجوزجاني ، وقال أبو داود : ليس بذاك كما في الميزان ج5 ص337 ، وضعفه النسائي كما في تهذيب الكمال ج22ص168 ، وقال أبو حاتم سهيل بن صالح لا يحتج به وهو أحب
إلي من عمرو بن أبي عمرو كما في الجرح و التعديل ج3 ص 1105 ، و كان مالك يستضعفه روى عنه حديثين فقط ، وقيل هو ثقة ينكر عليه حديث عكرمة كما قاله يحيى بن معين ، و قال القاضي في علل الترمذي [سألت محمد بن
بشار عن حديث عمر بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس فقال عمرو صدوق و لكن روى عن عكرمة مناكير ولم يذكر في شيء من ذلك أنه سمع عكرمة ، ثم قال محمد بن بشار و لا أقول بحديث عمرو بن أبي عمرو أنه من وقع على
بهيمة فإنه يقتل وهو تتمة لهذا الحديث .
ولم يرو هذا الحديث عن عكرمة إلا عمرو ولذلك شك أهل العلم فيه ، فربما زعم أحدهم أنه سمعه من عكرمة ، ورواه لعمرو فصدقه عمرو ثم حدث به عن عكرمة ، وهذا شائع عن كبار أهل العلم كالتابعين و غيرهم ، بل كان
الصحابة يفعلون ذلك عن بعضهم ، وعلى ذلك فلا يجوز مطلقا الزعم بأن هذا الحديث المشكوك به نصا يؤخذ منه حكم شرعي ، فضلا عن كونه حدا ، فضلا عن كونه قتلا .
وقد ذكر الطبراني في الأوسط و الكبير ج11ص212 سندا له لهذا الحديث انفرد به إلى عكرمة ، و للطبراني أخطاء كما اشتهر عنه في بعض أسانيده و رواه عن شيخه علي بن سعيد الرازي [وهو ضعيف]عن عبد العزيز بن يحيى
المديني[كذاب قال العقيلي في الضعفاء ج3 ص 19يحدث عن الثقات بالبواطيل ولم يدرك سليمان بن بلال كما نص ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ج 5ص400 وقال البخاري يضع الحديث كما في الميزان ج4 ص 375]عن
سليمان بن بلال عن حسين بن عبد الله عن عكرمة ولا أدري من هو حسين هذا .
و روى البخاري ج5 ص 2207 وج6 ص 2508 عن النبي : [لعن رسول المخنثين من الرجال و المترجلات من النساء أخرجوهم من بيوتكم وأخرج فلانا و أخرج عمر فلانا] و الحديث لم يروه سوى عكرمة عن ابن عباس ، وعكرمة هذا و
إن كان البخاري و مسلم وغيرهم رووا عنه ، وهو مشهور بالعلم إلا أن ثلة من الأئمة الأكابر كذبوه في روايته عن ابن عباس كسعيد بن المسيب و محمد بن سيرين و ابن عمر ويحيى بن سعيد القطان كما جاء في المصادر
المختلفة ، وكان مالك ينهى عن الحديث عنه وقال أحمد مضطرب الحديث مختلف فيه ، وقال قتادة : ما حفظت منه إلا بيت شعر ، وقالوا إنه كان خفيفا قليل العقل ، و أنه كان يروي برأيه أحيانا و يقول عن ابن عباس ،
وكان على رأي الخوارج ، ومات فلم يشهد جنازته أحد من الأكابر ، ولكن كثيرا من أهل العلم
تحديث للسؤال برقم 1
وثقه مع ذلك ،كمات وثقوا أمثاله ممن لا قيمة لهم ، ورووا عنه واحتجوا به كما في تهذيب الكمال ج20ص264 .
و هذا حال أفضل الأحاديث من حيث السند في قضية اللواط ، وكل الأحاديث الأخرى باطلة و لا يقوم لها سند ، ولا يوجد دليل صحيح على أن النبي أو أحد من الصحابة قد عاقب لوطيا بقتل أو غيره ، بل وجدت رواية قوية
السند عن عائشة بعكس ذلك :
عن عائشة قالت :أول من اتهم بالأمر القبيح تعني عمل قوم لوط اتهم به رجل على عهد عمر فأمر بعض شباب قريش ألا يجالسوه .
نلاحظ أن هذا يهدم كل النصوص الأخرى في مسألة الحد و حرقه و قتله أو رجمه لأن عمر كان أشد الناس في أمر الدين و قد تركه ، وعائشة لم تعلق على ذلك .
و الحديث أخرجه البيهقي ج4 ص 358 عن أبي الحسين بن بشران[ثقة مشهور]عن إسماعيل بن محمد الصفار[ثقة مشهور كما في لسان الميزان [ ج1ص432 ] عن أحمد بن منصور[ ثقة مشهور كما في الميزان[ ج1ص305] عبد
الرزاق[قالوا في روايته عن معمر اضطراب ولكنه مكثر عنه وهو ثقة] معمر [ثقة] عن الزهري [ثقة] عن عروة [ثقة] عن خالته عائشة به.
و قد قمت بدراسة أكثر من ثلاثين حديثا عن النبي تتعلق بعقوبة ولعن المثليين و النهي عن اللواط ، و لم يصح فيها حديث واحد من حيث السند ، و كل الأسانيد معلولة بحسب قواعد مصطلح الحديث الذي وضعه علماء الحديث
أنفسهم ، و البحث عندي لمن يحب ، و لم أورده هنا خشية ملل القراء أكثر مما سبق .
و مع ذلك فكل المسلمين و الفتاوى إلى الآن على قتل من عمل عمل قوم لوط ، بسبب ثقافة الكراهية المتأخرة عن عهد النبي نفسه .