في الروضة من الكافي (8/101)، في حديث أبي بصير والمرأة التي جاءتْ إلى أبي عبدالله تسأل عن (أبي بكر وعمر)، فقال لها: توليهما، قالتْ: فأقول لربِّي إذا
لقيته: إنَّك أمرتني بولايتهما؟ قال: نعم[15]. 2 - وعن عروةَ بن عبدالله قال: سألتُ أبا جعفر محمد بن علي (الباقر) - عليهما السلام - عن حِلية السُّيوف؟ قال: لا بأس به، قد حلَّى أبو بكر الصِّدِّيق سيفه،
قلت: فتقول: الصِّدِّيق؟ قال: فوثب وثبةً، واستقبل الكعبة، وقال: نَعم، الصِّدِّيق، نَعم الصِّدِّيق، فمَن لم يقل له الصِّدِّيق، فلا صدق اللهُ له قولاً في الدنيا ولا في الآخرة".[16] 3 - ويروي السيِّد
المرتضى في كتابه الشافي: عن جعفر بن محمَّد الصادق - عليه السلام - أنَّه كان يتولاَّهما؛ أي: أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - ويأتي القبرَ، فيُسلِّم عليهما مع تسليمه على رسول الله - صلَّى الله عليه
وآله وسلَّم.[17] 4 - وجاء نصٌّ عظيم في كتاب "نهج البلاغة" - الذي يعتقد الشِّيعة الإماميَّة صحة ما فيه - يهدم هذا النصُّ كلَّ الرِّوايات التي تزعم العداوةَ والصِّراع بين علي والشيخَين أبي بكر وعمر -
رضي الله عنهم - يقول عليٌّ في أبي بكر أو عمر - على اختلاف بين شيوخ الشِّيعة في ذلك -: "لله بلاءُ فلان[18]، فلقد قوم الأود[19]، وداوى العمد[20]، وأقام السُّنَّة، وخلف الفتنة[21]، ذهبٌ نقيُّ الثوب،
قليلُ العيب، أصاب خيرَها وسبق شرَّها، أدَّى إلى الله طاعتَه واتقاه بحقه".[22] ولوضوح النصِّ قال ميثم البحراني - وهو شيعي إمامي - في شرحه: "واعلم أنَّ الشِّيعة قد أوردوا هنا سؤالاً فقالوا: إنَّ هذه
الممادحَ التي ذكرها في حقِّ أحد الرجلين تُنافي ما أجمعْنا عليه من تخطئتهم وأخذهما لمنصب الخِلافة، فإمَّا ألاَّ يكون هذا الكلام من كلامه، وإمَّا أن يكون إجماعُنا خطأ...".[23] 5 - وعن الحسن بن علي -
عليه السلام - أنَّه قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم -: ((إن أبا بكر منِّي بمنزلة السمع، وإن عمر منِّي بمنزلة البصر، وإنَّ عثمان منِّي بمنزلة الفؤاد، قال: فلمَّا كان من الغد دخلتْ
عليه وعنده أمير المؤمنين - عليه السلام - وأبو بكر وعمر، وعثمان، فقلت له: يا أبت، سمعتُك تقول في أصحابك هؤلاءِ قولاً، فما هو؟ فقال - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم -: نعم، ثم أشار بيدِه إليهم، فقال: هم
السَّمع والبصر والفؤاد)).[24] * بل في رواياتهم ما يفيد الثناء على الصحابة عمومًا، ومنها: 6 - ما في "بحار الأنوار": قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((طوبَى لِمَن رآني، وطوبَى لِمَن رأى مَن رآني،
وطوبَى لِمَن رأى مَن رأى مَن رآني)).[25] 7 - وفي كتاب "الكافي": عن ابن حازم قال: قلت لأبي عبدالله: فأخبرني عن أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صَدَقوا على محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم -
أم كَذَبوا؟ قال: بل صَدَقوا".[26] 8 - وفي نهج البلاغة وغيره [27]:"أن علي بن أبي طالب وصف أصحـابَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لشيعته فقال: لقد رأيتُ أصحاب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فما أرى
أحدًا يُشبههم منكم، لقد كانوا يُصبحون شعثًا غبرًا، وقد باتوا سُجَّدًا وقيامًا، يُراوحون بين جباههم وخـدودِهم، ويقفون على مثل الجَمر من ذِكر معـادهم، كأنَّ بين أعينهم رُكبَ المعزى من طول سجودهم، إذا
ذُكر الله هملتْ أعينُهم، حتى تبلَّ جيوبَهم، ومـادوا كمـا يَميـد الشَّجر يومَ الرِّيح العاصف؛ خوفًا من العِقاب، ورجاءً للثواب". 9 - وفي "بحار الأنوار": عن موسى الكاظم بن جعفر الصادق - رضي الله عنهما -
قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أنا أَمَنةٌ لأصحابي، فإذا قُبضتُ دنا من أصحابي ما يُوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمَّتي، فإذا قُبض أصحابي دنا من أمَّتي ما يُوعدون، ولا يزال هذا الدِّين ظاهرًا
على الأديان كلِّها ما دام فيكم مَن قد رآني)).[28] 10 - وعندَما ضرب الشَّقيُّ الخارجيُّ ابن ملجم الإمامَ عليَّ بن أبي طالب - عليه السلام - وأحسَّ بالموت، أوصى ولدَه الحسن - عليه السلام - وكان مماَّ
قال له: اللهَ اللهَ في أمَّة نبيِّكم، فلا يُظلمنَّ بين أظهُركم، واللهَ اللهَ في أصحاب نبيِّكم؛ فإنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - أوصى بهم".[29]
تحديث للسؤال برقم 1
وفي كتب الشِّيعة الإماميَّة روايات أخرى غير ما ذكرتُه تمدح الصحابة.[30] فإن قلت: إنَّما تركْنا هذه الرِّوايات؛ لأنَّ عندنا رواياتٍ كثيرةً في ذمِّهم تنقض هذه الروايات، فأخذنا
بها، ومنها على سبيل المثال فقط: 1 - في تفسير العياشي (1/199) والبحار للمجلسي (22/333): عن أبي جعفر - عليه السلام - أنَّه قال: "كان الناس أهلَ رِدَّة بعد النبي إلاَّ ثلاثة". 2 - وأيضًا في كتاب الكافي
(2 / 244): عن حمران قال: قلت لأبي جعفر - عليه السلام -: ما أقلْنا لو اجتمعْنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال: ألاَ أُخبرك بأعجب من ذلك؟ قال: فقلت: بلى، قال: المهاجرون والأنصار ذهبوا... إلاَّ ثلاثة". 3 -
وفي روضة الكافي (8/102): عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله، قال: قلت لأبي عبدالله - عليه السلام -: "خبرني عن الرَّجلين - يعني: أبا بكر وعمر - قال: ظلمانَا حقَّنا في كتاب الله - عزَّ وجلَّ - ومنعَا فاطمة -
صلوات الله عليها - ميراثَها من أبيها، وجرى ظلمهما إلى اليوم. قال - وأشار إلى خلفه -: ونبذَا كتاب الله وراءَ ظهورهما". 4 - وفيه (8/103): "عن الكميت بن زيد الأسدي قال: دخلت على أبي جعفر - عليه السلام -
...قلت: خبِّرني عن الرَّجلين... قال: والله يا كميتُ، ما أهريق محجمة من دم، ولا أُخذ مال مِن غير حله، ولا قُلب حجر عن حجر إلاَّ ذاك في أعناقهما". نقول: نعم، الرِّوايات في مذهب الشِّيعة الإماميَّة
متناقضة[31]، فهل يعقل أن يتكلَّم الإمام جعفر الصادق وآباؤه - وهم بيت الصدق - بالشيء ونقيضه؟! لِمَ لا يكون السببُ في هذا التناقض هم رواةَ هذه الآثار عنهم، وخاصَّة أنَّ كثيرًا من الرُّواة كانوا يكذبون
على الأئمَّة، ودسُّوا في كتبهم ما ليس من كلامهم، وقد اشتكى أئمَّة أهل البيت - رضي الله عنهم - كثيرًا من ذلك، فقد ذكر المجلسي في "بحار الأنوار": عن أبي عبدالله - عليه السلام - قال: كلُّ ما كان في كتب
أصحاب أبي - عليه السلام - من الغلوِّ فذاك مما دسَّه المغيرة بن سعيد في كتبهم.[32] - وجاء في كتاب جامع أحاديث الشِّيعة: عن رجال الكشي بسنده إلى يونس، قال: وافيتُ العراق، فوجدت بها قطعةً من أصحاب أبي
جعفر - عليه السلام - ووجدتُ أصحاب أبي عبدالله - عليه السلام - متوافرين، فسمعت منهم، وأخذتُ كتبهم، فعرضتُها من بعد على أبي الحسن الرِّضا - عليه السلام - فأنكر منها أحاديثَ كثيرة أن تكون من أحاديث أبي
عبدالله - عليه السلام - وقال لي: إنَّ أبا الخطَّاب كَذَب على أبي عبدالله - عليه السلام - لعن الله أبا الخطَّاب، وكذلك أصحاب أبي الخطَّاب يدسُّون في هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبدالله
- عليه السلام - فلا تَقبلوا علينا خلافَ القرآن، فإنَّا إن تحدثْنا حدَّثْنا بموافقة القرآن، وموافقة السُّنة.[33] - وفيه أيضًا عن ابن سنان قال: قال أبو عبدالله - عليه السلام -: إنَّا أهلُ بيت صادقون،
لا نخلو من كذَّاب يكذب علينا، فيُسقط صِدقَنا بكذبه علينا عندَ الناس،... ثم ذَكَر المغيرة بن سعيد، وبزيعًا والسَّري، وأبا الخطَّاب، ومعمرًا وبشارًا الأشعريَّ، وحمزة البربري، وصائدًا النهدي، فقال:
لعنهم الله، إنَّا لا نخلو من كذَّاب يكذب علينا، أو عاجز الرأي.."[34] - وورد في رِجال الكشي: عن أبي عبدالله - عليه السلام - قال: "ما أنزل الله سبحانه آيةً في المنافقين إلاَّ وهي فيمن ينتحل التشيُّع"
[35]، وقال: "إنَّ ممَّن ينتحل هذا الأمرَ لِمَن هو شرٌّ من اليهود والنَّصارى والمجوس والذين أشركوا". [36] وبعدَ أن علمتَ هذا، أليس من الأقرب أن تكون الرِّوايات التي فيها ذمُّ الصحابة ممَّا دسَّه هؤلاء
الكذَّابون على الأئمَّة، وتبقى الروايات الأخرى الموافقة لِمَا عند الشِّيعة الزيديَّة وأهل السُّنَّة، وخاصَّة أنَّ الأئمَّة أنكروا ما نُسب إليهم ممَّا يخالف القرآن ....
------
منقول