القلب أمير الجسد وملك الأعضاء ،
فهو راعيها الوحيد وقائدها ،
وإنما الجوارح والحواس تبع له وآلات تصدع بما تؤمر ،
فلا تصدر أفعالها إلا عن أمره ،
ولا يستعملها في غير ما يريد ،
فهي تحت سيطرته وقهره ،
ومنه تكتسب الاستقامة أو الزيغ ،
وبين القلب والاعضاء صلة عجيبة وتوافق غريب بحيث تسري مخالفة كل منهما فورا إلى الآخر ،
فإذا زاغ البصر فلأنه مأمور ،
وإذا كذب اللسان فما هو غير عبد مقهور ،
وإذا سعت القدم إلى الحرام فسعي القلب أسبق ،
لهذا قال صلى الله عليه وسلم عن المصلي العابث في صلاته : « لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه » ،
وقال لمن يؤم من المصلين : « استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم » ،
فأعمال الجوارح ثمرة لأعمال القلب ،
والخلاصة : القلب هو خط الدفاع الأول والأخير ، فإذا ضعف القلب أو فسد أو استسلم انهارت الجوارح!!
وفي المقابل إذا ذكر العبد ربه فلأن القلب ذَكَر ،
وإذا أطلق يده بالصدقة فلأن القلب أذِن ،
وإذا بكت العين فلأن القلب أمر ،
فالقلب مملي الكلام على اللسان إذا نطق ،
وعلى اليد إذا كتبت ، وعلى الأقدام إذا مشت ،
وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم للقلب حقه ومكانته حتى وصفه بأنه : « مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله » ،
وتوجه أول ما توجَّه إليه ليربّيه ويهتم به ويزكِّيه.
فكل الأفعال مردها إلى القلب وانبعاثها من القلب ،
وكل الأفعال تعني كل الأفعال ولو كانت لبس ثيابك وزينة بدنك!!
وهذا ما أدركه مستودع القرآن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال : " لا يشبه الزي الزي حتى تشبه القلوب القلوب " .