علمانية فصل الدين عن الحياة نموذج معرفى فاسد لا يلتقى أبدًا مع نموذج الإسلام المعرفى ..
=====================================================
العلمانية الفكرية لا يوجد لها تعريف مُحدّد فلا عجب أن يكون لكلّ دولة نظامها العلمانى الخاص بل و لا غرابة مُطلقًا من أن تجد لكلّ شخص مفهومه العلمانى الخاص إذ أنّ العلمانية الفكرية مُتباينة تباين شديد
حسب المرجعيات العقلية و الفكرية المتنوّعة و لكن إجمالًا يُمكن تقسيم العلمانية و حصرها بين قسمين حسب جميع المُرادفات المُستخدمة من أنصار العلمانية فى العموم بغضّ النظر عن مدى صحّة التعريف الأكاديمى
للعلمانية ..
1- قسم علمانية العلم ..
و هو قسم يقوم بتعميم إتّباع العلم فى جميع ما يخصّ البشرية و الحياة عمومًا من خلال الإستناد للعلم و المنهج العلمى و الإطار المنطقى السليم فى كلّ مشارب الحياة و هذا شيئ طبيعى لا يُمثّل إشكالية فى إطاره
العام ..
قسم علمانية العالم ..
و هو قسم يقوم بعلمنة النظام البشرى فى الحياة عمومًا من خلال تجريد الإنسان من مبادءه العقائدية الخاصّة أثناء إنخراطه فى الحياة العامّة و أحيانًا الخاصّة كذلك أو أثناء الإندماج الحيوى مع المُجتمع فى
عمومه بلا قيود روحية أو قيود قيمية عليا و هذا شيئ غير مقبول فى إطاره العام و هذا النوع ينقسم لفلسفات عديدة و كثيرة لعلّ أشهرها هى الفلسفة الشيوعية و الفلسفة العلمانية الغربية الحديثة أو كما يُقال
عنها العلمانية التحررية أو العلمانية الليبرالية ..
فمن خلال ما سبق نجد أنّ علمانية العلم التى تتوقّف حدودها عند المُطالبة بتطبيق مناهج و مبادئ العلوم و الإستفادة من نجاحات و إنجازات العلم فى خدمة البشرية هى شيئ هادف و جيّد و يُطالب به الدين فى العموم
و الإسلام فى الخصوص الذى يحثّ أتباعه على إمتطاء ذلك الطريق أمّا فى حالة الخروج عن هذا السياق و الحيد عن إطار العلم بإدخال فلسفات فكرية علمانية تقضى بحصر الدين و الفكر الدينى و تحجر عليه المُمارسة و
التطبيق المُجتمعى العام و ما شابه ذلك ممّا لا يندرج تحت أُطر العلم بل يندرج تحت أُطر السياسة و الأهواء الشخصية و الفلسفات الفكرية الخاصّة فهذا كلّه يتعارض مع مفهوم الدين تمامًا لثلاثة أسباب رئيسية
..
1- إختصاص الفكر العلمانى بالنظر العقلى المُتحرّر من كلّ الإلزامات و الإلتزامات فى الحياة الدنيا و رفض أو إلغاء أو إغفال كلّ فكر أو تطبيق يتعلّق بالحياة الآخرة و عقيدة البعث و الحساب و ما شابه ذلك من
أسس العقائد الدينية التى تُحدّ بحدود و تُلزم بإلزامات نابعة من الدين و أحكامه و بالتالى هذا الوضع ضدّ مفهوم الدين جُملةً و تفصيلًا ..
2- إهتمام العلمانية بالمصالح النفعية و السعى فى تحقيقها بكلّ الوسائل البراجماتية الممكنة دون النظر للمصالح البشرية القيمية العليا أو المصالح الشرعية الأصولية و بالتأكيد هذا ضدّ الدين تمامًا ..
3- إعلاء الفكر العلمانى فى الحياة من قيمة النظام العلمانى فى ذاته (فكرًا عقليًا أو نفعيًا مادّيًا) و إعطاءه السيطرة المُطلقة على حساب التقليل من القيمة أو العائد النفعى المُتحصّل من العقائد و الأفكار
الأخرى بما فيها الأفكار و العقائد الدينية مع إخضاع مبادئ الدين و تفسيراته مُقاضاته حسب قوانين العلمانية المُتغيّرة ممّا يجعل الدين أشبه باللعبة بين أيدى و عقول كلّ من هبّ و دب هذا إن لم يكن قد جعل من
الدين شيئًا وهميًا و هذا بالطبع ضدّ الدين تمامًا ..
و على ذلك يتضح كون العلمانية العلمية المحدودة بحدود العلم المنهجى السليم لا ضرر فيها و لا خلاف عليها بل تُعتبر أمرًا واجبًا أوجبه الإسلام أمّا العلمانية الفكرية حسب تعريفها و مفهومها العالمى السياسى
أو الفلسفى بحيث تتطلّع لحصر الدين تحت جناحها و رفض أو إلغاء قيمه العليا و مقاصده و أحكامه الشريعة و تعطيل تطبيقها هى نموذج معرفى لا يتفق و لا يتسق بحال من الأحوال مع النموذج الإسلامى الدينى لتعارضهما
تعارضًا أصوليًا قاطعًا بل لكون العلمانية هنا فى هذه الحالة مفسدة مُتحقّقة على عدّة محاور يُمكن إجمالها فى خمسة نقاط ..
تحديث للسؤال برقم 1
1- تضييع صحيح الدين أو إهدار قمة الدين ككلّ الذى هو محور الحياة للبشر ..
2- الإستسلام للمنافع البراجماتية البشرية بحثًا عن النفعية بكلّ الوسائل الممكنة دون تقييدها بقيود أخلاقية و إصلاحية ممّا يؤدّى إلى تزايد الصراعات و المؤامرات و الإستغلال الظالم للبشر ..
3- تحوّل الحياة للعبثية الفكرية التامّة و غياب القيم العليا من العدل و الحقّ و الشرف و الرحمة ..
4- إنتفاء المرجعية الحاكمة و شيوع الفوضى الفكرية و الواقعية و إستفحال السفسطات العقلية و العملية ممّا يُؤدّى بالمُجتمعات و الأفراد للإنفصام و الإنفصال التام و إحماء و تذكية المبادئ العنصرية و إشاعة
العصبية الفكرية و المذهبية ..
5- إنتشار سياسة البقاء للأقوى و إحتلال القوى للضعيف و تسخيره لتبعيته و الإستهانة بحُرمات الآخر بهدف تسخيره و إستغلاله و تحويله لمادّة يُمكن الإستفادة بها أو من خلالها ..
فبتطبيق العلمانية بفصل الدين عن الحياة أو الدولة يتحقّق الفساد لا المصلحة و لنا فى دول العالم العلمانية عبرة فعلى سبيل المثال لا الحصر أمامنا نتائج ما حققه الإتحاد السوفيتى من جرائم قتل و إغتيال
بالملايين لأبناء الشعب من نفس الدولة و كذلك من الخصوم و ما نتج عن ذلك من حروب و جرائم و عنصرية و صراعات مذهبية و فكرية و كذلك ما فعلته فرنسا مع شعب الجزائر من جرائم قتل نظامية أودت بمليون و نصف
المليون قتيل و ما نتج عن ذلك من تعصّب و عنصرية و إقتتال و جهل و قس على ذلك جرائم الولايات المُتحدة و بريطانيا و سائر البلاد العلمانية التى لا تتورّع عن فعل أقسى الجرائم البشعة مادام فى ذلك تحقيق
مصلحتها النفعية ناهيك عن مدى ما وصل له الإنسان من فساد إجتماعى و أخلاقى و عملى للعلاقات الفردية و المجتمعية على السواء ممّا جعل الحياة فاقدة لمعانيها و قيمها و مضمونها الحقيقى ..
و فى النهاية نجاح هذه البلاد العلمانية فى تحقيق النهضة الإقتصادية و العلمية ليس أفضلية فلسفية لصالح العلمانية بل أفضلية من حيث تقدير قيمة العمل و الإهتمام به على الوجه اللائق و ليس لذلك أدنى علاقة
بالنهج الفلسفى أو الفكرى المُتّبع لدى هذه البلدان العلمانية فحتّى أشدّ الدول الدينية التى التزمت نفس المنهج حققت نفس النتائج فمثلًا إسرائيل و الهند على سبيل المثال لا الحصر دولتان ناهضتان إقتصاديًا و
علميًا رغم ما بهما من تعصّب دينى و فكرى و دجل عقائدى و إنقسام طبقى و تعدّد لغوى كبير جدًا خاصةً فى الهند (أكثر من 25 لُغة تقريبًا) ممّا يثبت سهولة تحقيق النجاح من خلال تفعيل منظومة العمل و السعى على
إنجاحها بغضّ النظر عن الفلسفات الفكرية المُتبعة و لنا فى التاريخ العديد من الأمثلة على الدول التى حققت نهضة إقتصادية و توسّعية عسكرية بالعمل الحقيقى رغم فساد فلسفة سياساتها الفكرية ..
و فى مُقابل ذلك إنتشار ضعف الدول الإسلامية ليس له علاقة بالدين و الشرع بل منبع ذلك يأتى من تبعات الإحتلال الطويل و القاسى و تبعات الظلم السياسى و ما نتج عن ذلك من فساد المناخ الأخلاقى و العلمى
للمُجتمعات الإسلامية التى أصبحت تنتمى للإسلام بشكل سطحى مع مرور الوقت تحت تأثير الجهل و الضعف المنهجى للعلم و التعلّم بإعتلاء الجهّال لمصاف العلماء و إنزواء العلماء عن تقلّد أماكنهم التى يستحقّونها
..