على لسان أحدهم :؛ كانت المداهمـة الأولى لمدينة الحَّــارة بريف درعا ..
في فرع الأمـن بحرسـتا .. أبتدؤا التحقيق ، كانت المرة الأولى التي أُشتم فيـها بعرضي ، لم أحتمل الصمـت ..فرددتها للضابـط ... آخر ما اتذكر رؤيته بتلك اللحظة ، كان وجهه القبيح .. لتبدأ بعدها تنهال
الأيادي و الأقدام ؛ كنت اسمع صوته و هو يصرخ لعساكره بأن يزيدوا بالضرب " بدي صوته يوصل لعند الله " ...
استمر التعذيب بالضرب لساعات ، كانوا يتناوبون بالضرب بكل ما ملكت أيديقهم من قوة ..
تم ترحيلي بعدهـا إلى الغرفة المجاورة ، بدأو الضرب بشيء أشبه بالخرطوم عُلقت برأسـه دبابيس صغيرة ، رأيت بهـذه الغرفـه ما يُسمى بالدولاب و الكرسـي ... هناك كنت اشعر بالدبابيس تخترق جلدي ، بألم ينبع من
داخل جسدي ليستشري كما الريح في كل اقطاب جسمي ، لا أدري بما كُنت أهذي بتلك الاثناء ..
فُتح الباب ، كان مقابلاً لوجهي - حيث صُلبت .. ضابط صغير العمر ، لا زال شاباً - لا تبدو عليه ملالمح رجال الأمـن كثيراً .. تكلم بصوت خافت مع أحد العناصـر ليخرجوا بعدهـا جميعاً .. اقترب مني يليهمس لي "
لك ليش سبيته ، ما كان في حكم بحقك .. بس هلاء غير الله ما بيطلعك من هـون ... " لم أكن أملك أي إجابــة لسؤاله ، تابع حديثه " انت من عمر أبي ، بس و الله ما بيطلع بأيدي ساعدك - الله يكون معك " .. وخرج
.
عندما عاد العناصـر فكوا قيدي ليأخذوني إلى منفردةٍ في السرداب ، يُدخل الطعام إلى كل يومين مرتين .. مع كوب ماء ... لم تكن منفردة ، كان يوجد بها جرذ ، بدأنا نألف بعضنا لدرجـة أنني في كثير من الأحيان
كُنت أطعمه بيدي ، أشعر و كأنه كان يفهم ماذا أقول ..
مرت شهور و أنا في عتم هذه المنفردة .. كانت المرة الأولى التي يُفتح فيها باب المنفردة بالكامل ، منذ أن دخلتها ... إنه نفس الضابط ، قالها بكل وسـامة " ستخرج اليوم ، فغريمك قد قُتل في زملكا .. لا يوجد
بالفرع ملف باسمك .. " أعطاني بعض المال " بوجهـك على درعـا ، و لا تحكي لحدا عالطريق شي " الله معك ..
أخذت الجرذ معي و خرجت مسرعاً ، بعد باب الفرع بمئات الامتار فتحت الكيس لاخرج الجرذ منه ، و أكملت طريقي الى درعا ، هنا مدخل منطقة وكأن الوباء أصابها .. لا يوجد سوى احجار و بقايا بيوت " إنه مدخل الحارة
" -
كان منزلي عبارةً عن بقايا منزل ، علمت من الجيران أنهم أحرقوا بيتي بعد اعتقالي ، و أن زوجتي و العائلة غادروا البلد إلى الأردن ..
أوصلني بعض شباب المدينة المسلحين إلى النقطة الحدودية لأغادر بعدها الوطـن المُعتقل ، بداخل الشيك الحدودي كـان أبني ينتظرني ...
بقيت في الفرع سنة كاملـة ، لا أحـن لشي من تلك الذكريات إلا للضابط الوسيم ، و الجرذ الذي ألفت وجوده ..