أرجوك .. تجرد قليلاً من مشاعرك وحكِّم عقلك فقط. لا أريد سوى التفكير بالعقل والمنطق.
تعال على نفسك وفكر ...
هل تعلم أن كافة الأنبياء - فيما عدا سبعة أو ثمانية على أقصى تقدير - هم جميعاً من بنى إسرائيل؟ أقول هذا بدايةً، (وأرجوك أن تتأكد من هذه المعلومة أولاً)، حتى ألفت نظرك إلى أن التوزيع الإلهى للأنبياء
على الأمم لم يكن عادلاً. وقبل أن تنفجر غاضباً، تعال واحسبها معى. من هو إسرائيل؟ إنه النبى يعقوب، ومعنى أن نقول بنى إسرائيل، فنحن نقصد أبناء يعقوب. إذن، فالأنبياء قبل يعقوب ليسوا من بنى إسرائيل، (وإن
كان أبوه إسحق وجده إبراهيم هم الآباء المؤسسون للديانات الإبراهيمية ومنها الدين اليهودى).
الآن، أرجوك أن تفتح التوراة وتحصى معى أسماء الأنبياء فيها من بعد يعقوب. عندك: يوسف، موسى، داوود، سليمان، عزرا، نحميا، أيوب، أشعياء، إرميا، حزقيال، دانيال، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونان (يونس)،
ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجى، زكريا، ملاخى. ثم عندك من أنبياء العهد الجديد: يوحنا (يحيى)، ويسوع (عيسى).
إذن، فمن من الأنبياء ليسوا من بنى إسرائيل؟ هؤلاء هم: نوح، إبراهيم، إسحق، (إبراهيم وإسحق ليسا من بنى إسرائيل باعتبار أنهما سابقان على يعقوب، وإن كانا من مؤسسى الديانات الإبراهيمية كما أسلفنا)،
إسماعيل، ثم بالطبع، محمد (خاتم الأنبياء). هذا بالإضافة إلى بعض الأنبياء من ذكروا فى القرآن ولم يذكروا فى التوراة مثل: صالح، شعيب، إدريس، ذو الكفل.
ما الذى أريدك أن تفكر فيه؟
تحديث للسؤال برقم 1
أولاً: من هو النبى؟ النبى هو شخص كان غالباً ما يعيش حياة عادية، حتى يقع اختيار الله عليه لتبليغ رسالة إلى قومه. إذن النبى لابد له أن يقول أن هناك "رسالة" جاءته أولاً من السماء،
ثم يبين أن مهمته هى تبليغ هذه الرسالة لقومه. أليس كذلك؟ وهذه الرسالة التى جاءته من السماء قد تكون وصلته بصوت الله مباشرة، كما فى حالة النبى موسى، أو أن يهبط عليه ملك من الملائكة يحملها إليه، كما فى
حالة النبى محمد. السؤال الآن: فى أى من الحضارات القديمة قال شخص أنه قد هبطت عليه رسالة من السماء؟ هل قال أحدهم ذلك فى مصر؟ فى الصين؟ فى اليابان؟ فى الهند؟ فى أحد دول أوربا القديمة؟ فى أمريكا
الشمالية؟ الجنوبية؟ فى استراليا؟ هل سجل لنا التاريخ الإنسانى حالة واحدة لشخص واحد قال أن الله قد كلمه أو أن ملكاً من السماء هبط عليه برسالة؟
يشاع فى ثقافتنا الشعبية أن بعض الأشخاص هم أنبياء، لكنهم لم يذكروا فى الكتب المقدسة باعتبارهم كذلك، مثل بوذا وكونفوشيوس، لكننى أدعوك بشدة قبل أن توافق على هذه المقولة مراجعة سير هؤلاء. فبوذا
وكونفوشيوس ومن على شاكلتهما، بلغة عصرنا، كانوا مصلحين إجتماعيين، لم يقولوا أبداً أن وحياً يأتيهم من السماء، ولذلك فمجموعة التعاليم التى وجهوها إلى أقوامهم، دُونت بحسبانها ديانات وضعية، أى مجموعة
قواعد أخلاقية وتأملات، اجتهدوا فى صياغتها، من عندياتهم، وبمبادرة ذاتية منهم، أشخاص هم فى حكم المفكرين المصلحين. وهؤلاء المصلحون كانوا يفكرون طويلاً ويتأملون ويقارنون ويتساءلون ويتناقشون ويغيرون
أفكارهم أو يطورونها ويصححون الخطأ فيها، وذلك بخلاف الرسالة النبوية التى تهبط فجأة على النبى، كمثل حالة النبى موسى على سبيل المثال، والذى تخرج من قراءة سيرته بيقين جازم أن هبوط الرسالة عليه عند جبل
طور سيناء قد شكل له مفاجأة كاملة لم يكن أبداً يتوقعها.
وثانياً: يخبرنا القرآن بصورة قاطعة، بأن كافة الأمم قد أُرسل إليهم رسل: {إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} (سورة فاطر، الآية 24) و{ولقد بعثنا فى كل أمة رسولاً أن اعبدوا
الله واجتنبوا الطاغوت} (سورة النحل، الآية 36). بالرغم من ذلك، فإنه على طول ما يقارب الأربعة آلاف عام تقريباً، هى عمر التاريخ الإنسانى المدون، وعلى امتداد رقعة جغرافية مترامية من الصين شرقاً وحتى
المحيط الأطلسى غرباً، ومن أوربا شمالاً وحتى أطراف إفريقيا جنوباً، لم يسجل التاريخ الإنسانى مطلقاً أن شخصاً خرج إلى قومه قائلاً أنه قد هبطت على رسالة من السماء. فمفهوم النبوة لم يعرفه التاريخ الإنسانى
ولم يدونه فى أى نص من نصوصه. بينما فى المقابل، تزخر النصوص المقدسة (توراة، إنجيل، قرآن) بهذا المفهوم، لكنها تقصره على أبنائها، أبناء الشرق الأوسط، وفى القلب منهم، والأغلبية فيهم، من أنبياء بنى
إسرائيل. فإذا ما علمنا أن النبى موسى (مؤسس اليهودية، أول ديانة توحيدية)، قد عاصر أسرة الفراعين التاسعة عشرة، وهى أسرة الرعامسة (والأسباب التى تدعو المؤرخين إلى هذا الإعتقاد هو ذكر تسخير فرعون لبنى
إسرائيل فى بناء مدينة رعمسيس)، وإذا علمنا أن أسرة الرعامسة تلك قد حكمت مصر 1300 سنة قبل الميلاد، إذن فالمفترض أن النبى موسى قد عاش فى هذا الزمن، وهو زمن أقرب كثيراً إلينا من الزمن الذى بدأ فيه
المصريون يكتبون تاريخهم، إذ يبدأ تاريخ مصر المكتوب حوالى 3200 قبل الميلاد. معنى ذلك أنه قد سبق عصر موسى حوالى ألفين سنة بالتمام والكمال، كانت مصر تكتب فيها أحوالها وتاريخها (وبالتفصيل الممل لمن يحب
أن يأتى على نفسه - أيضاً - ويقرأ)، لكن مصر تلك التى لم تترك شاردة أو واردة تقع فى أرضها إلا ودونتها، قد أغفلت ذكر الأنبياء الذين عاشوا على أرضها، وأذهلوا شعبها بمعجزاتهم، وهؤلاء الأنبياء بالترتيب هم:
إبراهيم، يعقوب، يوسف، موسى.
وثالثاً: عندما تُطرح هذه الإشكاليات، فإن البعض ينبرى قائلاً بأن القرآن قد أخبرنا بأن هناك أنبياء لم نعرفهم بأسمائهم، ولكن الله قد أرسلهم بالفعل إلى أقوامهم لكنه لم يذكر أسماءهم. يستشهد هؤلاء على ذلك
بقول الله تعالى: {ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك} (سورة النساء، الآية 164). عندما يُسأل هؤلاء: لماذا لم يذكر أى مؤرخ بطول التاريخ الإنسانى، أن شخصاً قال لقومه أنا نبى؟ فإنهم
يجيبون: لأن المؤرخين يهتمون أكثر بأخبار الملوك والمعارك الحربية، وتسجيل أحوال الناس وعاداتهم، ووصف مجتمعاتهم. وأنا أرجوك أنت تأتى على نفسك وتفكر: هل يمكن لمؤرخ أن يرى معجزة على يد شخص، يخرق بها
قوانين الطبيعة التى ألفها الناس، ثم يهز كتفيه بلا اهتمام، ولا يعتنى حتى بتدوين ما رآه من خارق المألوف، ولو على سبيل الهجوم والتكذيب، ثم يعود إلى تدوين ما هو أهون وأتفه، وهو عادات الناس وطبائعهم فى
المجتمعات التى يعيشون فيها؟ هل يمكنك أن تتصور ذلك؟
تعال على نفسك وفكر ...