عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة , فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها
فليغرسها " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 11 :
( عن # أنس # )
رواه الإمام أحمد ( 3 / 183 , 184 , 191 ) و كذا الطيالسي ( رقم 2068 )
و البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 479 ) و ابن الأعرابي في " معجمه "
( ق 21 / 1 ) عن هشام بن زيد عنه .
و هذا سند صحيح على شرط مسلم , و تابعه يحيى بن سعيد عن أنس . أخرجه ابن عدي
في " الكامل " ( 316 / 1 ) .
و أورده الهيثمي في " المجمع " ( 63 / 4 ) مختصرا و قال :
" رواه البزار و رجاله أثبات ثقات " .
و فاته أنه في " مسند أحمد " بأتم منه كما ذكرناه .
( الفسيلة ) هي النخلة الصغيرة و هي ( الودية ) .
و لا أدل على الحض على الاستثمار من هذه الأحاديث الكريمة , لاسيما الحديث
الأخير منها فإن فيه ترغيبا عظيما على اغتنام آخر فرصة من الحياة في سبيل زرع
ما ينتفع به الناس بعد موته فيجري له أجره و تكتب له صدقته إلى يوم القيامة .
و قد ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله " باب اصطناع المال " ثم روى عن
الحارث بن لقيط قال : كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها فيقول : أنا أعيش حتى
أركب هذه ?
فجاءنا كتاب عمر : أن أصلحوا ما رزقكم الله , فإن في الأمر تنفسا .
و سنده صحيح .
و روى أيضا بسند صحيح عن داود قال : قال لي عبد الله بن سلام : إن سمعت بالدجال
قد خرج و أنت على ودية تغرسها , فلا تعجل أن تصلحه , فإن للناس بعد ذلك عيشا .
و داود هذا هو ابن أبي داود الأنصاري قال الحافظ فيه : " مقبول " .
و روى ابن جرير عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول
لأبي : ما يمنعك أن تغرس أرضك ? فقال له أبي : أنا شيخ كبير أموت غدا , فقال له
عمر : أعزم عليك لتغرسنها ? فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي .
كذا في " الجامع الكبير " للسيوطي ( 3 / 337 / 2 ) .
و لذلك اعتبر بعض الصحابة الرجل يعمل في إصلاح أرضه عاملا من عمال الله عز وجل
فروى البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 448 ) عن نافع بن عاصم أنه سمع
عبد الله بن عمرو قال لابن أخ له خرج من ( الوهط ) : أيعمل عمالك ? قال : لا
أدري , قال : أما لو كنت ثقفيا لعلمت ما يعمل عمالك , ثم التفت إلينا فقال :
إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره ( و قال الراوي مرة : في ماله ) كان عاملا
من عمال الله عز و جل . و سنده حسن إن شاء الله تعالى .
و ( الوهط ) في اللغة هو البستان و هي أرض عظيمة كانت لعمرو بن العاص بالطائف
على ثلاثة أميال من ( وج ) يبدو أنه خلفها لأولاده , و قد روى ابن عساكر في
" تاريخه " ( 13 / 264 / 2 ) بسند صحيح عن عمرو بن دينار قال : دخل عمرو بن
العاص في حائط له بالطائف يقال له : ( الوهط ) ( فيه ) ألف ألف خشبة , اشترى كل
خشبة بدرهم ! يعني يقيم بها الأعناب .
هذه بعض ما أثمرته تلك الأحاديث في جملتها من السلف الصالح رضي الله عنهم .
و قد ترجم البخاري في " صحيحه " للحديثين الأولين بقوله :
" باب فضل الزرع إذا أكل منه " .
قال ابن المنير :
" أشار البخاري إلى إباحة الزرع , و أن من نهى عنه كما ورد عن عمر فمحله ما إذا
شغل الحرث عن الحرب و نحوه من الأمور المطلوبة , و على ذلك يحمل حديث أبي أمامة
المذكور في الباب الذي بعده " .
قلت : سيأتي الكلام على الحديث المشار إليه في المقال الآتي إن شاء الله تعالى
.