حيوانات كافرة ، وشجر كافر
يقول الله سبحانه وتعالى : "أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌۭ
مِّنَ ٱلنَّاسِ ۖ " (الحج : 18 )
هذه حقيقة قرآنية ، تقرر أن جميع مخلوقات الله سبحانه وتعالى تسجد له سبحانه وتعالى ، وإن وقع استثناء في هذه الآية الكريمة فهو "لكثير من الناس" وهذا يتبين من قوله سبحانه وتعالى : "وَكَثِيرٌۭ مِّنَ
ٱلنَّاسِ" ، ولم يقع استثناء لبقية مخلوقات الله سبحانه وتعالى، فهي تسجد لله سبحانه وتعالى طائعة له وتسبح له سبحانه وتعالى: "تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن
مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًۭا" (الإسراء :44)
ومن المُسلَّمِ به ، أن التكليف الشرعي، إنما يقع على الثقلين: الإنس والجن، دون بقية مخلوقات الله سبحانه وتعالى" وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" ( الذاريات : 56 ) .
"يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌۭ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتِى وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا۟ شَهِدْنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ
ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُوا۟ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا۟ كَٰفِرِينَ" (الأنعام :130)
فنجد إنسا مسلما، وإنسا كافرا، ونجد جنا مسلما، وجنا كافرا ، ولم يقل أحد بوجود حيوان مسلم، وحيوان كافر، وشجر مسلم، وشجر كافر .
يقول ابن حجر رحمه الله في شرحه لحديث القردة الزانية المذكورة في الباب السابق : " وَقَدْ اِسْتَنْكَرَ اِبْن عَبْد الْبَرّ قِصَّة عَمْرو بْن مَيْمُون هَذِهِ وَقَالَ : فِيهَا إِضَافَة الزِّنَا إِلَى
غَيْر مُكَلَّف وَإِقَامَة الْحَدّ عَلَى الْبَهَائِم وَهَذَا مُنْكَر عِنْد أَهْل الْعِلْم , قَالَ : فَإِنْ كَانَتْ الطَّرِيق صَحِيحَة فَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مِنْ الْجِنّ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَة
الْمُكَلَّفِينَ" (فتح الباري : فضائل الصحابة ؛ أيام الجاهلية )
الحديثان التاليان، يخالفان هذه الحقيقة، ويثبتان الكفر لحيوان الوزغ، وشجر الغرقد .
أولا :"عن أم شريك رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال: كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام" (البخاري : الأنبياء ؛قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا)
1. في هذا الحديث تقرير بكفر الوزغ، لأنه كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام، والمقصود على نار إبراهيم كما جاء في بعض الروايات في غير البخاري ومسلم، وكما قلنا فإن الوزغ غير مكلفة حتى يحكم عليها
بالكفر.
2. إذا سلّمنا أن بعض الوزغ في عصر إبراهيم عليه السلام كان ينفخ على نار إبراهيم، فليس من المعقول أن جميع الوزغ في ذلك العصر كان ينفخ على نار إبراهيم، فلا نستطيع تكفير جميع الوزغ في ذلك العصر.
3. إذا كان الوزغ في عصر إبراهيم عليه السلام ينفخ على نار إبراهيم، فما ذنب الوزغ في عصرنا هذا؟ أنقتله بذنب أجداده في العصور السالفة ؟ والله سبحانه وتعالى يقول "وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا
عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌۭ وِزْرَ أُخْرَىٰ " ( الأنعام : 164 )
ثانيا : "عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد
الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود" (مسلم : الفتن وأشراط الساعة ؛باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى...)
وهذا تقرير بكفر شجر الغرقد، ولو كان مسلما؛ لقال كما تقول الأشجار الأخرى: "يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله" ولكنه لم يقل؛ لأنه "من شجر اليهود"
كما أن في هذا الحديث إخبار بالغيب، ويخالف قول الله سبحانه وتعالى: "قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلَّا ٱللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ " (النمل
:65)
وقوله سبحانه وتعالى:" قُل لَّآ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًۭا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لَٱسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوٓءُ ۚ إِنْ
أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌۭ وَبَشِيرٌۭ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ " (الأعراف :188)
وقوله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام: " قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ ۚ قُلْ
هَلْ يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ" (الأنعام : 50)
كما يخالف قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الحديث الذي رواه مسلم "ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول : قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله"
(مسلم : الإيمان ؛ معنى قول الله ولقد رآه نزلة أخرى...)