– الأسرة:
إن للأسرة دورا كبيرا في غرس بذور شخصية الطفل المستقلة, فهي البوتقة التي تنصهر فيها شخصية الفرد, وأثبتت الدراسات التي درست أساليب تنشئة المبتكرين بأن آباء المبتكرين يتميزون باحترام أبنائهم وثقتهم في
قدراتهم, كما أنهم يمنحونهم الحرية والاستقلالية في التفكير, ويساعدوهم علي اتخاذ قراراتهم بأنفسهم دون تدخل مباشر من الآباء. وأن معظم الأطفال المبتكرين لم ينشئوا معتمدين علي والديهم, كما أنهم لم يكونوا
مرفوضين من آبائهم بل كانوا وسطا بين هذا وذاك. وعلي الرغم من الدور الخطير الذي تلعبه الأسرة في هذا المضمار إلا أننا لا يمكن أن نلقي بهذا العبء الثقيل علي كاهل الأسرة المصرية وحدها, لأنه من
المؤسف حقا أن كثيرا من الأسر المصرية غير مدركة لهذا الهدف, فينمو أطفالها دون وعي منهم بكيفية تنمية استعدادات أطفالهم الطبيعية, وغالبا ما يكونوا لدي أطفالهم – وبدون وعي منهم – اتجاهات وعادات سلبية
تعوق من أساليب التنمية الفكرية.
2 – المدرسة :
ودور المدرسة في هذا المضمار لا يقل خطورة عن دور الأسرة, ويعظم هذا الدور في المجتمعات النامية والمتخلفة, والتي لا تكون الأسرة فيها كفيلة بالقيام بالدور القيادي في تربية الطفل, لذلك نتوقع من الأجهزة
الموجهة نحو تربية الطفل مثل المدرسة أن تقوم بهذا الدور بكفاءة عالية ولن تحقق المدرسة هذا الدور الإيجابي في التغيير والتنمية, إلا من خلال تطوير مناهجها التربوية والتي يجب أن تواكب أحدث الأساليب
التكنولوجية, وأن تتبنى فكرة التربية الابتكارية, ففي الحقيقة أن معظم نظم تعليمنا الحالية تقوم على فكرة تخزين المعارف. فالمواد الدراسية أصبحت الغاية من التعلم. فالطفل مثله مثل الوعاء الذي يستخدم لتخزين
المعرفة التي يفرغها كاملة في الامتحان, ولا يحتفظ منها إلا بالقليل, ولا يستخدمها في تنمية قدرته علي التفكير, ولذا يجب أن تقوم التربية الابتكارية على فكرة الفهم سواء كان ذلك في التلقي أو الاستثمار,
ويقصد بالتلقي ذلك الفهم القائم علي استيعاب المعلومات, أما الاستثمار في الفهم فيقصد به نمو القدرة علي الاستفادة من هذه المعلومات في المواقف المختلفة, فلا يجب أن تقف مهمة التربية على تخزين الخبرة بل
يجب أن تتعداها إلى توجيه النشء إلي إعادة استدعائها واستخدامها في نطاق جديد في المواقف المختلفة, كما يجب أن يشجع التلاميذ علي ممارسة الأنشطة الإبداعية داخل المدرسة, وأن تقوم المادة الدراسية علي
انتثارة تفكير الطفل وخياله الإنشائي, وأن تحفزه للعمل الابتكاري, وأن يحسن إعداد المعلم نفسه.
3- أجهزة الأعلام والثقافة :
وفي تتمثل في الصحافة, والإذاعة, والتليفزيون, ومراكز ثقافة الطفل, إن الإعلام الحالي جزء لا يتجزأ من ثقافة الطفل, ويسهم بدور بارز في تربيته وتكوين قيمه وتشكيل اتجاهاته وعقائده , فالإعلام والثقافة
يمثلان مدخلا مهما لتعليم الطفل وتثقيفه وتسليته, وقد غفلت عن هذا الهدف كثير من الأجهزة الإعلامية والثقافية بمصر, وإلقاء نظرة سريعة إلى مجالاتنا الإعلامية والثقافية تؤكد صدق ما نقول, فيجب أن تولي الصحف
اليومية مزيدا من الاهتمام تجاه الطفل, فقد خصصت هذه الصحف بعض صفحاتها للرياضة أو الفن أو المرأة, ولكنها لم تخصص للطفل إلا جزءا صغيرا في صفحاتها الأسبوعية, فماذا لو خصصت صفحة كاملة أسبوعيا في نهاية
الأسبوع للطفل, على أن تكون هذه الصفحة قائمة على دراسات لحاجات الأطفال العقلية من المعرفة والثقافة في الأعمار المختلفة.
أما بالنسبة للتليفزيون فقد يكون دوره أخطر من الصحف لأن الطفل الذي يلجأ إلى الصحف هو الطفل الملم بالقراءة والكتابة. أما أثر التليفزيون فيمتد إلى الطفل القارئ وغير القارئ, ولم تحقق برامج الأطفال
المصرية الهدف المرجو منها, فمعظم هذه البرامج لم يدرس محتواها الثقافي دراسة كافية, ولم تختار الساعات المناسبة للإرسال, بحيث تصل إلى الجمهور المستهدف منها, هذا في الوقت الذي خصصت فيه بعض الدول قنوات
خاصة بالطفل, يشرف على إعداد برامجها أفراد متخصصون في كافة مجالات الطفولة. كما يمكن للتليفزيون أن يرعى المواهب الابتكارية ويشجعها من خلال تنظيم مسابقات خاصة بذلك, كما يجب أن ينتج التليفزيون أو يستورد
البرامج العلمية للأطفال, والتي تساعد على تنمية تفكيرهم, وتساعدهم على استيعاب أحدث الابتكارات العلمية بأسلوب بسيط يستثير أنشطتهم الإبداعية, وما قيل عن التليفزيون يمكن أن يقال عن الإذاعة أيضا.
أما بالنسبة للأجهزة الثقافية فيمكن أن تتبنى إدارات المتاحف والمعارض فكرة إقامة متاحف علمية وفنية للأطفال, وأن تقام في أكبر قاعات العرض بعض معارض الأطفال, ويمكن أن يقام صالون أسوة بصالون الشباب, ويمكن
أن يقام لهم بينالي على المستوى الدولي. ويمكن عمل مسابقات في مجال القصة والأدب والشعر, ويمكن أن تتبنى ذلك مراكز ثقافة الطفل, ولجنة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة وكليات التربية الفنية.
كما يجب أن تهتم وزارة البحث العلمي, ومراكز دراسات الطفولة وكليات رياض الأطفال والتربية بعمل مراكز بحثية للطفولة تتبنى فيها المواهب الابتكارية للأطفال, وتتولاها بالرعاية المناسبة, وتقييم المسابقات
العلمية التي تشجع روح البحث والاختراع لدى الأطفال بتحفيزهم على تقديم بعض الاختراعات البسيطة المبنية على قراءاتهم العلمية.
4- كتاب الطفل:
أما بالنسبة لكتاب الطفل المكتوب باللغة العربية فمازال غير كاف, ويجب بذل مزيد من الاهتمام به, وأن يكون متنوعا, ولا يقتصر على القصص, بل يجب أن يشمل كافة القضايا التي تهم الطفل, فلابد من إمدادهم بالقصة,
وكتب الأنشطة والمشاركة, والكتب العلمية التي تثير الخيال العلمي لدى الأطفال, وأن تهتم بكيفية الكتابات من حيث الشكل والمحتوى, ولقد بذلت الدولة جهودا ملحوظة في الاهتمام بمكتبة الطفل, وجذب انتباهه نحو
القراءة بتبنيها مشروع " القراءة للجميع ", ولكن لن تكون القراءة مجدية ما لم نتجه إلى تحسين ما يقرأه الطفل.
ويسعدني في النهاية أن أوضح أن القدرات الإبداعية عند الإنسان تعد رأسمالا قوميا تستثمره الأمم كغاية من أهم غاياتها الاستثمارية, ولذلك أوصى الآباء والأمهات وكل المهتمين بشئون الطفل أن يمكنوا أطفالهم من
استغلال إمكاناتهم الطبيعية المتوافرة لديهم لتنمية تفكيرهم الابتكاري.